- 7 -
الإمام ناصر محمد اليماني
04 - 01 - 1429 هـ
12 - 01 - 2008 مـ
10:28 مـساءً
ــــــــــــــــ


حسبي الله ونعم الوكيل يا حبيب الحبيب..


بسم الله الرحمن الرحيم، وسلامٌ على المرسلين، والحمدُ لله ربّ العالمين، ثمّ أمّا بعد..
يا حبيب الحبيب هل تريد الحقّ ولا غير الحقّ؟ فلا تقُل على الله بالتّأويل غير الحقّ بعلمٍ وسلطانٍ من محكم الكتاب المنير القرآن العظيم، وأمّا ما تزعم أنّه بُرهان لك من القرآن في قوله تعالى:
{إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ} صدق الله العظيم [الطارق:٤].

فأردّ عليك فأقول: تدبّر الآيات جيداً تجد فيها التهديد والوعيد من بعد القسم، لذلك ذكر طائر الإنسان الكافر في عنقه من بعد التذكير وهو الملك (عتيد) كاتب السيئات التي سوف يتمنّى الكافر يوم تُبلى السرائر فيَوَدّ الكافر بأنّ لو كان بينه وبين ما عمله من السوء أمداً بعيداً،
{
وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولًا ﴿١٥﴾} [الإسراء]؛ لذلك تجد رسُل الله يقولون لقومهم الذين تطيّروا بهم: {قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ} صدق الله العظيم [يس:19].

وهذه الآية تُخاطب الإنسان الكافر بالحقّ والمفسد في الأرض بأعمال السوء والموكل بحفظه (عتيد) في الكتاب، لذلك تجد الآية تتكلم عن (عتيد) فقط كاتب السوء للإنسان الكافر المنكر للبعث والحساب، لذلك تجد الآيات واضحة وجليّة تتكلم عن الإنسان المُنكر للحقّ، فتدبر الآيات جيداً تجدها تخاطب الإنسان الكافر المُنكر للحساب لذلك تجده يعمل السوء وهو غير مُبالٍ، ولذلك أقسم الله:
{وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ ﴿١﴾ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ ﴿٢﴾ النَّجْمُ الثَّاقِبُ ﴿٣﴾ إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ ﴿٤﴾ فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ ﴿٥﴾ خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ ﴿٦﴾ يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ ﴿٧﴾ إِنَّهُ عَلَىٰ رَجْعِهِ لَقَادِرٌ ﴿٨﴾ يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ ﴿٩﴾ فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ ﴿١٠﴾ وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ ﴿١١﴾ وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ ﴿١٢﴾ إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ ﴿١٣﴾ وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ ﴿١٤﴾ إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا ﴿١٥﴾ وَأَكِيدُ كَيْدًا ﴿١٦﴾ فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا ﴿١٧﴾} صدق الله العظيم [الطارق].

إذاً يا حبيب إن الآيات تُخاطب النّاس الكفار فيذكرهم بطائرهم الملك (عتيد) كاتب السوء بالحقّ. تصديقاً لقوله تعالى:
{وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا} صدق الله العظيم [الإسراء:١٣].

إذاً هذه الآيات لا تتكلم عن الملك (رقيب) والحسنات والجنان لذلك تجد الآية ذكرت الملك (عتيد) وحده دون ذكر الملك (رقيب) كاتب الحسنات التي تؤدي إلى الجنان، وأكرر فأقول إنّ الآيات تخاطب الإنسان الكافر بشكل عام بكفرهم وسوئِهم وكيدهم ضدّ الحقّ، لذلك قال تعالى:
{إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا ﴿١٥﴾ وَأَكِيدُ كَيْدًا ﴿١٦﴾ فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا ﴿١٧﴾} صدق الله العظيم [الطارق].

ولهذا السبب تمّ تخصيص المخاطب وهو مخاطبة الكفار والتهديد والوعيد لذلك تجد الآية تتكلم عن الملك (عتيد) طائرهم في عنقهم وهو الملك (عتيد) الذي أقسم الله على حقيقة تكليفه لكتابة السوء والكفر والمكر بغير الحقّ ضدّ الله ورسله.

ويا حبيب، إني لك ناصحٌ أمينٌ أن لا تفسِّر الآيات الغير المحكمة الواضحة بالظنّ الذي لا يغني من الحقّ شيئاً، أم إنك لا تعلم ما هو الظنّ؟ وهو أن تقرأ الآية الغير محكمة فتفسرها لوحدها وتريد أن تخرج بنتيجةٍ فلن تخرج إلا بنتيجةٍ ضالةٍ فيُناقض ظاهرها الآيات المحكمات الواضحات البيّنات في القرآن العظيم. وسوف تجد من الآيات المحكمات والتي تكلمت عن النّاس المؤمنين والكفار معاً فذكرت أعمال الخير والشر لذلك تجدها تكلمت عن الملكين (رقيب) و(عتيد). فتدبر جيداً قول الله تعالى:
{كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ ﴿٩﴾ وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ ﴿١٠﴾ كِرَامًا كَاتِبِينَ ﴿١١﴾ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ ﴿١٢﴾ إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ ﴿١٣﴾ وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ ﴿١٤﴾ يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ ﴿١٥﴾ وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ ﴿١٦﴾} صدق الله العظيم [الإنفطار].

وأظنّك تبتغي تأويل القرآن ولكن في قلبك زيغٌ عن الحقّ لذلك تجد نفسك تتبع المتشابه والذي لا يعلم بتأويله إلا الله والراسخون في العلم وتترك الآيات المحكمات الواضحات البيّنات فلا تتّبعها وتنبذها وراء ظهرك وتتّبع ما تشابه في ظاهره مع ما تنطق به عن الهوى بالظنّ الذي لا يغني من الحقّ شيئاً، ولكنّي لا أنكر المتشابه بل إنّه من عند الله فأقول: كُلٌّ من عند ربنا المتشابه والمحكم ولكنّي لا أتّبع المتشابه مع قول الباطل في ظاهره؛ بل آتيك بالبيان الحقّ له وأفصّله من القرآن تفصيلاً، وأنفي تناقض القرآن في نظر الممترين فإنه لا يناقض بعضه بعضاً، ولكنهم لا يعلمون بتأويل المتشابه في القرآن فأضلَّهم المتشابهُ ضلالاً بعيداً فزادهم رجساً إلى رجسهم و ضلالاً إلى زيغهم عن القرآن المحكم الواضح والبيِّن والذي لا يُوافق هواهم.

وإني أراك طلبت النصيحة من الإخوان ولم تطلب النصيحة شخصياً من المهديّ المنتظَر الحقّ ناصر محمد اليماني وهو لك ناصحٌ أمينٌ، وأقسم بالله العليّ العظيم أني أحبّ لك ما أحبّه لنفسي ولا أريد أن يضلّك المتشابه من القرآن ضلالاً بعيداً وإذا أردت نصيحتي فاستمسك بالآيات المحكمات الواضحات البيّنات في القرآن العظيم فلا يزيغ عنهنّ إلا هالكٌ في قلبه زيغُ فينبذهن وراء ظهره فيتبع المتشابه والذي يناقض المحكم في ظاهره، وللآية المتشابهة تأويل غير ظاهرها ولا يعلم بتأويلها إلا الله ويعلِّمه للراسخين في العلم.

وأقسم بالله العليّ العظيم البر الرحيم أني لا أراك منهم يا حبيب الحبيب، وأعلم علم اليقين بأنّ لديك مسُّ شيطانٍ رجيمٍ يريد أن يضلّك عن الحقّ بعد إذ جاءك ويجعلك من الممترين ويوسوسُ لك بأنّك أنت المهديّ المنتظَر الحقّ ويجعلك تتّبع الآيات المتشابهة مع وسواسهِ الخنّاس في صدرك وأنّك على الحقّ وناصر اليماني على الباطل وأنك أنت المهديّ المنتظَر.

وأعلم بأنّ في عصر الظهور يكثر المهديّون بغير الحقّ وذلك مكرٌ من الشياطين حتى لا يتبيّن للناس المهديّ المنتظَر الحقّ والذي يهدي بالحقّ إلى صراطٍ مستقيمٍ، ولم يدخل منهم الإنترنت العالمية إلا قليلٌ كمثل حبيب الحبيب وغيره كثيرين يوجدون في كُلّ محافظة في دول العالمين، وبعضهم ينبِّئ النّاس بأنّه المهديّ المنتظَر وآخرون لا يكشفون للنّاس ما بأنفسهم وينتظرون النّاس أن يقولوا له إنك أنت المهديّ المنتظَر، وهؤلاء يحاولون لفت النظر إليهم لعلّ بعض النّاس يقول لهم إنّك أنت المهديّ فيزداد ضلالاً إلى ضلاله ويضلّ كثيراً بغير علمٍ ولا هُدًى ولا كتابٍ منير.

ولسوف أفتي جميع المسلمين في أمرهم وكيف لهم أن يميّزوا بين الحقّ والباطل فيعلمون أيَّ المُدّعين هو المهديّ المنتظَر الحقّ، فإلى جميع الباحثين عن الحقيقة الفتوى بالحقّ لمن يريد أن يتبع الحقّ ولا غير الحقّ فيستطيعون أن يعلموا المهديين الذين وسوست لهم الشياطين وأكثرهم لا يعلمون بأنه يوسوس له شيطانٌ رجيمٌ فهم يصدّونهم عن السبيل الحقّ ويحسبون أنهم مهتدون، ولكن الذي لا تأخذه العزّة بالإثم منهم فسوف ينطلق إلى شيخٍ يعالج بالقرآن ليتأكد هل يوسوس له شيطانٌ رجيمٌ وهو لا يعلم ويظنّ ذلك وحياً من الرحمن إلى القلب ولم يوحِ له الرحمن شيئاً؛ بل وسوسة شيطانٍ رجيمٍ يريد أن يصدّه عن الحقّ فيضلّه ويضلّ به العالمين، فتعالوا لأعلمكم يا معشر الباحثين عن الحقيقة كيف تعلمونهم فتعرفونهم وهو بما يلي:

أولاً سوف تجدونهم يتّبعون المتشابه في القرآن العظيم ويذرون المحكم والواضح والبيّن من الآيات المحكمات الواضحات البيّنات والتي لا تحتاج لمفسِّر يفسِّرهنّ نظراً لوضوحهنّ باطناً وظاهراً، وأبشِّركم بأنّ الآيات المحكمات في كلّ موضوعٍ تجدونهنّ أكثر من الآيات المتشابهة في نفس الموضوع، ولسوف أضرب لكم على ذلك مثلاً كمثل ما يجادلني فيه حبيب الحبيب في أنه مكلف مع الإنسان ملكٌ واحدٌ وليس ملكان ومن ثم يأتي بسلطان كما وسوس له الشيطان حين طلبت من حبيب البرهان فجاءني بقوله تعالى: {إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ} صدق الله العظيم، ولكنه لا يعلم تأويلها الحقّ مع أنها تتشابه مع ما وسوس له به الشيطان الرجيم ضدّ آيات الله المحكمات الواضحات البيّنات وكذلك لها علاقة بموضوع الحوار ولكنّي لا أنكرها بل أتيتكم ببيانها بالحقّ وأحسن تفسيراً. تصديقاً لقول الله تعالى: {وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بالحقّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا} صدق الله العظيم [الفرقان:٣٣].

ومن ثم آتيكم بالآيات المحكمات اللاتي تؤكد أنهم ملكان اثنان وليس ملكاً واحداً، وقال الله تعالى:
{إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ ﴿١٧﴾ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ﴿١٨﴾} صدق الله العظيم [ق]، وهذه من الآيات المحكمات الواضحات البيّنات أنهما ملكان اثنان وتقدم الآية عدة براهين أنهما اثنان والبراهين في نفس آية واحدة وهي:

1 - { يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ }: فهذا لفظ مُثنى بلا شك أو ريب واضح ومحكم.
2 - { عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ }: فكيف يكون واحدٌ عن اليمين وعن الشمال؟ فازدادت الآية تأكيداً على أنهما اثنان وليسا واحداً.
3 - { مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ﴿١٨﴾ }: وهذه الآية تؤكد أنهم اثنان أحدهما اسمه (رقيب) والآخر (عتيد)، أحدهما يكتب القول والعمل الحسن والآخر يكتب القول والعمل السيئ.
4 - { وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ }: كذلك تؤكد أن المكَلَفَين ملكان اثنان أحدهما سائق والآخر شهيد.
5 - { أَلْقِيَا فِي جهنّم كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ }: كذلك نجد القول يخُاطب المُثنى وليس المفرد وتُؤكد أنّ المكلفين ملكان اثنان وليسا واحداً ولا ثلاثة.
6 - { فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ }: وكذلك تؤكد هذه الآية أن المكلفين اثنان وليسا واحداً كما يقول حبيب، ولا أكثر من اثنين كما يقول علم الجهاد.

وجميع تلك البراهين لهذا الموضوع استنبطناها ليس إلا من سورةٍ واحدةٍ من سورة [ق]، وقال الله تعالى:
{وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ﴿١٦﴾ إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ ﴿١٧﴾ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ﴿١٨﴾ وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بالحقّ ذَٰلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ ﴿١٩﴾ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَٰلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ ﴿٢٠﴾ وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ ﴿٢١﴾ لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَٰذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ﴿٢٢﴾ وَقَالَ قَرِينُهُ هَٰذَا مَا لَدَيَّ عَتيدٌ ﴿٢٣﴾ أَلْقِيَا فِي جهنّم كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ ﴿٢٤﴾ مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ ﴿٢٥﴾ الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ ﴿٢٦﴾ قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَٰكِنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ ﴿٢٧﴾ قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ ﴿٢٨﴾ مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ﴿٢٩﴾ يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ ﴿٣٠﴾ وَأُزْلِفَتِ الجنّة لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ ﴿٣١﴾ هَٰذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ ﴿٣٢﴾ مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَٰنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ ﴿٣٣﴾ ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَٰلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ ﴿٣٤﴾} صدق الله العظيم [ق].

من ثم ننتقل إلى البرهان في سورةٍ أخرى وهو قوله تعالى:
{وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ ﴿١٠﴾ كِرَامًا كَاتِبِينَ ﴿١١﴾ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ ﴿١٢﴾} صدق الله العظيم [الإنفطار]، وهذه الآية تنفي بأنّ الموكل ملَكٌ واحدٌ بل أكثر من واحدٍ وهم اثنان كما سبق البرهان على ذلك من آيات سورة [ق].

وإلى برهانٍ آخر:
{وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يفرّطون} صدق الله العظيم [الأنعام:٦١]، وهذه آية محكمة تُبيِّن بأنّ الحفظة للأعمال هم أنفسهم رُسل الموت وأنّ الله أرسلهم ليكونوا مكلفين مع الإنسان من البداية حتى إذا جاءه قدر الموت ومن ثم يتوفونه ثم تبيّن أنهم لا يفرّطون بل يستمر التكليف حتى يُلقيا به في نار جهنّم أو يرافقونه إلى الجنّة. ولكنكم سوف تجدون آيةً أخرى متشابهة مع الباطل في ظاهرها فتجدون ظاهرها ينفي ملائكة الموت فتجعلهم ملكاً واحداً كمثال قول الله تعالى: {قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ} صدق الله العظيم [السجدة:١١]، ولكن إذا رجعت إلى المحكم سوف تجد أنّ ملائكة الموت أكثر من واحدٍ فإذاً ما المقصود بقوله تعالى: {قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ}؟ فإذا رجعتم إلى المحكم فسوف تجدون بأنّ لكل إنسان ملكُ موتٍ، ومعنى ملك الموت أي القائد للإنسان الكافر من بعد الموت، لذلك تجدون الملك (عتيد) يسوق خصمه الإنسان الكافر سوقاً والملك (رقيب) يرافق الملك (عتيد) ولكن ليس له من الإمارة شيئاً بل بإمارة الملك (عتيد)، وأما إذا كان صالحاً فيكون بإمارة الملك (رقيب) وليس للملك (عتيد) من الإمارة بشيء، فيقومون جميعاً بمرافقة الإنسان الصالح إلى الجنّة ليريه الملك (رقيب) مقعده في الجنّة.

ومن استمسك بهذه الآية في ظاهرها فسوف تضله عن الآيات المحكمات والتي تفتيه بأنّ لكلّ إنسانٍ ملك موتٍ يتوفاه ويساعده الملك الآخر في التّوفي فإذا كان المتوفى من أصحاب النّار فيتوفاه الملك (عتيد) ويتولى القيادة ويقوم الملك (رقيب) بالمساعدة والإمارة للملك (عتيد)، وكذلك يأتي معه شهيدٌ كما سبق تفصيل ذلك من الكتاب المُبين.

ويا حبيب إني أراك تحاج بهذه الآية أيضاً في قوله تعالى:
{وَتَرَىٰ كُلَّ أمّة جَاثِيَةً كُلُّ أمّة تُدْعَىٰ إِلَىٰ كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴿٢٨﴾ هَٰذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بالحقّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴿٢٩﴾} صدق الله العظيم [الجاثية].

ومن ثمّ نردّ عليكم فنقول: إنها تخاطب الكفار أصحاب السوء والمكلف بكتابة سوءهم الملك (عتيد) لذلك قال تعالى:
{هَٰذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بالحقّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴿٢٩﴾}
صدق الله العظيم، ويقصد الكتاب الذي ينطق بالسيئات بالحقّ وهم له منكرون بقولهم "ما كنا نعمل من سوء"، وذلك كتاب الملك (عتيد)، فما خطبك لا تفقه القول الصواب من الكتاب وتريد أن تجعل القرآن متناقضاً حسب تأويلك يا حبيب؟ فهل تريد أن يكفر المسلمون بالقرآن فتُشكِّكهم فذلك ما يبغيه الشيطان الذي يوسوس لك في صدرك فلا تتّبعه واتّبعني أهدِك إلى صراط مُستقيم، واحذّر الشيطان الذي في نفسك وإن استمر في الوسوسة لك بغير الحقّ فسوف أدعو الله أن يجعل جسد وروح حبيب الحبيب ناراً وسعيراً كبيراً على الشيطان الرجيم الذي يعلم أنّي أنطق بالحقّ وأريد الحقّ وهو يريد الباطل ومن ثم أدعو ربّي أن يجعل بأسه على حبيب الحبيب برداً وسلاماً.

فإن تحدّيتني يا أيها الشيطان الذي يوسوس لحبيب الحبيب فأقسم بالله العلي العظيم لأجعلنّ - بإذن الله - عليك حبيب كنزل من جهنّم، فكفّ عن الوسوسة له بغير الحقّ إنّي أحذّرك ولن أصيب حبيب الحبيب بسوءٍ إذا كان من الذين ضلّ سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صُنعاً، أما إذا كان من شياطين البشر فسوف يتعذب الاثنان بحول الله وقوته، ولن أؤذيهم بذاتي بل أؤذيهم بالدعاء باليقين فينصرني الله عليهم العزيز المقتدر فهم يعلمون أنهم لا يأمنون مكره وأنّ الله على كلّ شيء قدير. فهل فهمت الخبر أم تتحدى المهديّ المنتظَر وتريد أن تشكك في الذكر؟ وقبل أن أدعو سوف أوجه للأخ حبيب الحبيب نصيحة يستطيع أن يفعلها بشكل سري وهو أن يذهب إلى شيخ يعالج بالقرآن فيطلب منه أن يتلو عليه قدر ساعةٍ كاملةٍ من آيات الذكر الحكيم التي تحرق الشياطين حتى يتبيّن له الحقّ إن كان يريد الحقّ ومن ثم يأتي يشهد بالحقّ فلا تأخذه العزّة بالإثم ومن ثم يفوز فوزاً عظيماً ويهديه الله صراطاً مستقيماً، ويؤتيه من لدنه عزّاً كبيراً في الدنيا والآخرة، وإن أخذته العزّة بالإثم فحسبه جهنّم وبئس المصير.

فكم كررت سلطان العلم في شأن (رقيب) و(عتيد) وفصّلته تفصيلاً وكأنّي لم أقل شيئاً فينبذ السلطان من القرآن المحكم ويعمد للمتشابه فيجعل القرآن متناقضاً حسب تأويله، وذلك لأنه يستمسك بالمتشابه ويترك المحكم الذي أجادله به ولم يطعن في القرآن المحكم بل ينبذه وراء ظهره وكأنّه لم يكن شيئاً مذكوراً ويذهب ليأتي بآيات متشابهة من القرآن لكي تكون ضدّ الآيات المحكمات التي أجادله بها، ولكني لست مثله بل آتيه بالمحكم ومن ثم أبيّن له تأويل القرآن المتشابه وأفصّله له تفصيلاً وأنفي افتراء التناقض للقرآن من مكر شياطين الجنّ والإنس، فانتهِ يا حبيب الحبيب وخذ بنصيحتي، ألا ترى بأنّك كثيراً من الأحيان إذا سمعت القرآن يُتلى يضيق صدرك يا حبيب الحبيب؟ وأرجو من الله أن يهديك صراطاً مستقيماً إن كنت تريد الحقّ.

وسلامٌ على المرسلين، والحمدُ لله ربّ العالمين..
المهدي المنتظر الإمام ناصر محمد اليماني.
ـــــــــــــــــــــــ